هل سوريا آمِنَة للعَودة؟ منظور العائدين

فبراير 21, 2022

المُلـخـص التنفيــذي

تسبـب الصراعُ في سوريا في أزمةٍ إنسانية مُدمرة، استمرت عقدًا من الزمن مع تداعياتها في جميع أنحاء العالم. وقد وُصِفتْ بأنها واحدةٌ من أكثر الحروب وحشيةً في التاريخ الحديث، مع انتشار استخدام التعذيب والاخـتفاء القسري والأسلحة الكيماوية والبراميل المتفجرة وانتهاكات حقوق الإنسان المستمرة. ومع ذلك، وعلى الرغم من عدم وجود حل سياسي قابلٍ للتطبيق ودائم للنـزاع، فقد بدأ الخطابُ الإنساني في التركيز على مسألة العودة. كما بدأتْ بعض الدول المضيفة في تبـني الرواية القائلة بأن سوريا آمِـنة، مما أدى إلى سياساتٍ من شأنها إلغاء وضع اللجوء وضمانات الحماية للنازحين السوريين.

يُركز هذا التقريرُ على أصوات وتجارب وآراء السوريين، لـتَحديد ما إذا كانت الظروف في سوريا مناسبةً لتسهيل عودة اللاجئين والنازحين داخلـيا. من خلال توفير بحثٍ أولـي وتحليل البيانات حول السلامة والأمن والظروف الاقتصادية في كل من مناطق السيطرة الأربعة في سوريا الخاضعة للجهات التالية: [الحكومة السورية (GoS)، الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا (AANES)، الحكومة السورية المؤقـتة (SIG)، وحكومة الإنقاذ السورية (SSG)]. هذه البيانات بـدورها ستُـزود المنظمات غير الحكومية وصانعي السياسات والقرارات بالمعلومات السياقية المطلوبة لاتـخاذ قراراتٍ مُستـنيرة حول مسألة العودة.

استخدمَ البحثُ نهجًا مخـتـلطًا، واعتمدَ على البيانات الأولية، التي تضمـنتْ ٧٠٠ دراسةٍ استقصائية مع السكان المقيمين والنازحين والعائدين، تُكملها ٢٦ مقابلةً مجتمعية وخمس مقابلاتٍ مع خبراء لـمَلء الفجوات المتبقية في البيانات. كما يتضمن البحث استِـعراضًا مُتعمقًا للأدبيات.

وجدَ البحثُ أنه من بين جميع العائدين الذين شملهم الاستبيان، أفاد ٤١٪ على الأقل بأنهم لم يعودوا طوعـيا، وكان ذلك إما بسبب إجبارهم على العودة إلى سوريا أو بسبب ضغوطِ السلطات في المنطقة المُضيفة لهم. تم دفع العائدين للعودة بسبب مجموعةٍ متـنوعة من العوامل، بما في ذلك سوء أوضاعهم المعيشية وعدم استقرار الأمن في المناطق المضيفة، وعدم القدرة على مواصلة الدراسة.

كما أفاد العائدون بالتعرض للعنف على مدى الاثـني عشرَ شهرًا الماضية، مع وجود تفاوتٍ واضحٍ في تـواتر ذلك بحسب منطقة السيطرة. على مستوى سوريا بأكملها، أفاد ١١٪ من العائدين أنهم تعرضوا أو تعرض أحدُ أفراد أسرتهم للعنف الجسدي أو الأذى الجسدي في مكان إقامتهم، و٧٪ فضلوا عدمَ الإجابة، وربما يُشير ذلك إلى خوفهم من التحدث بصراحةٍ عن هذه القضية. وقد ظهرتْ تـقارير عن تعرض العائدين للضرب على أيدي الجماعات المسلحة لأسبابٍ غير معروفة، والخلافات الشخصية، والاعتـقال التعسفي من قِبَلِ قوات النظام، والاعتقالات أثـناء حظر التجول بسبب كورونا. لم يتم الإبلاغ عن الاعتـقال والاحتجاز التعسفِـيـين في مناطق الحكومة السورية فقط، إذ وجد الاستبيان الذي أجريناه أن ١٧٪ من العائدين في جميع المناطق أفادوا أنهم أو أحد أحبائهم قد خضعوا لتلك الممارسات في العام الماضي.

فيما يتعلق بـمشاعر الأمان (النفسـية – الاجتـماعية)، أفاد غالبيةُ العائدين في مناطق الحكومة السورية (٥٧٪) بأنهم يشعرون بعدم الأمان أو أنهم يَمشون بأمانٍ إلى حد ما في أحيائهم أثـناء النهار؛ كان هذا الرقم أقل في مناطق الحكومة السورية المؤقـتة (٣٧٪) ومناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا (٢٠٪). بشكلٍ عام، أفاد العائدون من داخل سوريا بأنهم يشعرون بأمانٍ أقل _سواء في الوطن أو في محيطهم_ مقارنة بالعائدين من الخارج.

فيما يتعلق بـالسلامة المادية، فإن ما يقرب من ربع العائدين في مناطق الحكومة السورية الذين يمتلكون مساكنَ أو أراضٍ أو ممتلكات في المنطقة لم يتمكـنوا من استعادتها، مع تفضيل العديد من العائدين عدم تقديم تفاصيل. وقد أفاد معظمهم بأن منازلَهم قد دُمـرَتْ أو أصبحتْ غير صالحة للسكن، كما أفادت أقليةٌ كبيرة أن الجماعات المسلحة قد استولتْ على ممتلكاتهم.

كما تم توثيق تدهور الظروف المعيشية والخدمات الأساسية بشكلٍ ملحوظ في جميع أنحاء سوريا. في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، قال ٦٩٪ من السكان المقيمين إنهم لم يَحصلوا على الكهرباء أو التدفـئة بشكلٍ مناسب ومنتظم خلال العام الماضي (٤٪ فقط قالوا إنهم حصلوا على ذلك)، بينما قال ٥٤٪ إنهم لا يَحصلون بشكلٍ مُنـتظم وكافٍ على مياه الشرب الآمنة، و٢٩٪ قالوا بأنْ ليس لديهم وصول مُنـتظم إلى الخدمات الصحية (بما في ذلك الصيدليات)، و١٣٪ ليس لديهم وصول منـتظم إلى التعليم. تم تسليطُ الضوء على ظروفٍ مُماثـلة في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية المؤقـتة ومناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، مع التركيز على ضعف القوة الشرائية لـعُملتها، والإيجار المرتفع، إلى جانب ارتفاع تكاليف المعيشة ونقص الوظائف، والنقص المتكرر للغذاء ونقص الكهرباء والمياه ونقص الأدوية وارتفاع أسعارها وضعف خدمات التعليم.

أما فيما يتعلق بـالسلامة القانونـية، فقد انـتشرتِ الصراعاتُ في جميع مناطق السيطرة. من حيث التوثيق، قال ما يقرب من ثُلث العائدين إنهم أو أحد أفراد أسرتهم واجهوا بعضَ الصعوبات على الأقل في الحصول على الوثائق الرسمية للأطفال المَولودين خارج سوريا، أو الأزواج الأجانب، أو غيرهم. كان هذا الرقم أعلى بكثيرٍ بالنسبة للعائدين في المناطق الخاضعة لسَيطرة الحكومة السورية، وخاصةً أولئك الذين عادوا من داخل سوريا. حيث واجـهوا صعوبات مُحددة في الحصول على جوازات السفر، وتسجيل الأطفال المولودين خارج سوريا، وتسجيل الزواج. إضافةً إلى ذلك، فقد تبين أن العدالةَ وقنواتِ إنفاذ القانون كانت غير كافية إلى حد كبير، حيث أكد عددٌ قليل من العائدين (١٤٪ فقط) وجودَ قنواتٍ لمساعدتهم على معالجة الانـتهاكات التي تحدث في مجتمعاتهم، وذكرَ ربع العائدين أن هذه القنواتِ مُتاحةٌ إلى حد ما فقط. أما إذا نـظرنا حسب منطقة السيطرة، فإن هذه القنواتُ كانت شبهَ معدومة في مناطق الحكومة السورية. أما بالنسبة لمناطق الحكومة السورية المؤقـتة، بلغت النسبة ٢٠٪، و٢١٪ في مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.

على مستوى سوريا بأكملها، انقسمتْ مشاعرُ الندم بشأن العودة، حيث شعرَ أكثر من نصف العائدين بالرضا بشأن قرارهم بالعودة، بينما أعربَ النصفُ الآخر عن ندمه تمامًا، أو أعرب عن شكوكٍ معينة. وبينما قال معظم النازحين داخلـيا إن لديهم رغبة في العودة إلى مواطنهم الأصلية قبل النزاع، قالت نسبةٌ أقل بكثير أن لديهم خطة للقيام بذلك. بالإضافة إلى ذلك، تُشير النتائج إلى أن الخططَ بالنسبة لمعظم الناس مرنةٌ نوعًا ما، حيث لا يعرف ثلاثةٌ من كل أربعة حتى الآن متى سيحاولون العودة. وفي الوقت نفسه، بينما يرغب معظم النازحين داخلـيا في العودة إلى ديارهم، فإن العكسَ هو الصحيح بالنسبة للمقيمين في مناطق الحكومة السورية، الذين أعربوا _على الرغم من بقائهم في مكانهم الأصلي_ عن رغبـتهم في تركها. في الواقع، أعرب ٥٨٪ من المقيمين الذين شملهم الاستبيان في مناطق الحكومة السورية عن رغبـتهم في مغادرة منازلهم، وأفاد ٧٥٪ منهم بوجود خطةٍ للقيام بذلك. وقال ما يقرب من ثلث هؤلاء إنهم يُخططون للمغادرة في غضون الأشهر الستة المقبلة، وقالوا جميعًا إنهم يُفـضلون الذهاب إلى بلدٍ مخـتلف بدلًا من الذهاب إلى جزءٍ آخر من سوريا. وهذا يُسلط الضوءَ على مدى تـدهور الأوضاع في سوريا وأنها غير قادرة على دعم الاحتياجات الأساسية ليس فقط للنازحين والعائدين، ولكن أيضًا للسكان المقيمين.

حدودُ (عتبات) الحماية الـ ٢٢ التي وضعَـتها الأمم المتحدة تُستخدَم حاليًا كمؤشراتٍ رئيسية لـتَبرير الانـتـقال إلى عمليات العودة المُيسرة على نطاقٍ واسع. وجد هذا التقريرُ أن ١٦ من هذه الحدود تُعـتبر حاليًا “غير مُستوفاة”. يمكن اعتـبار أربعة حدودٍ أخرى “مُستوفاة جزئـيا”، في حين أن الحـدين المتبقـيَـين غيرُ واضحين لاتخاذ قرارٍ مُستـنير بشأن حالتهم، وبالتالي تتطلب مزيدًا من البحث.

بالمُخـتصر، لم يتم استخدام أي من الحدود الـ٢٢ بشكلٍ كافٍ. بناءً على هذا الاستنتاج، فإن الظروفَ حاليًا غير مناسبة بما يكفي للسماح بالعودة الميسرة للاجئين السوريـين.

التقرير الكامل:

 

ملخص التقرير: