بحثٌ ميـداني مبنـيٌّ على عيـنةٍ من ثلاثة أحـياء.
هذه الدراسة متاحة للتحميل هنا.
الملخـص التـنـفيذي
تعـرَّض اقتصاد مدينة دمشق خلال السنوات العشر الماضية إلى تغيـراتٍ بنـوية واسعة، وقد كانت حصة المدينة من التراجع الاقتصادي العام في البلاد كبيـرةً للغاية؛ نتيجةَ ظروف الحرب والإجراءات الأمنية والعسكرية القَسـرية التي فرضها النظام على مختلف أنحاء البلاد.
رغم ذلك، لا توجد إلى اليوم بياناتٌ دقيقة عن مدى تلك التحولات وحجمها، أو نتائجها المباشرة على حياة الناس اليومية وعلى طرق تحصيلهم لأسباب معيشتهم في ظلِّ الظروف الجديدة، وطرق تأقـلمهم معها.
قام الباحثون في OPC بتنفيذ استبيانٍ ضمن ثلاثة أحياء من مدينة دمشق، من أجل الحصول على معلومات تخصُّ المقيمين في المدينة، سعيًا لمراقبة الأنشطة الاقتصادية الرئيسية للسكان بما يشمل العمل والاستهلاك وحجم الانفاق؛ لبَحث تأثير تراجع الأوضاع الاقتصادية عليها.
في سبيل ذلك، تمَّ إجراء 600 مقابلة مع مستجيباتٍ ومستجيبين يعيشون اليوم في مدينة دمشق خلال فترة أسبوعين من نهاية كانون الأول/ديسمبر 2020 وبداية كانون الثاني/يناير 2021، وتمَّ تقسيم العينة بشكلٍ متساوٍ على ثلاثة أحياء رئيسية في المدينة تُعبِّر عادةً عن تقسيم الطبقات الاجتماعية، مع مراعاة التوزع النِّسبي فيما يخصُّ العمر والجنس والتعليم. تلك الأحياء هي نهر عيشة (فقير)، الزاهرة (متوسط)، وركن الدين (متوسط إلى مرتفع).
وتُظهر بيانات الدراسة أنَّ مُعدَّل ساعات العمل الأسبوعية في مدينة دمشق من الأعلى في العالم. ومع أنَّ مُعدَّل ساعات عملِ الرجال كانت أعلى من مثيلتها لدى النساء، إلَّا أنَّ مُعدَّل عمل النساء في مدينة دمشق يظلُّ أعلى من المُعدَّلات العالمية.
في سياق ذلك، وعلى الرغم من أنَّ قرابةَ نصف المستجيبات والمستجيبين قد وصَفوا مستوى دخلهم بالمتوسط، فقد تبيَّـن بأنَّ جزءًا كبيرًا من هذه الفئة قد صرَّح بحجم إنفاقٍ أقل من خطِّ الفقر العالمي.
كما أظهرتْ مصفوفة الانتـقال بين الأعمال، بين عام 2011 واليوم، زيادةً في الانتـقال للعمل ضمن الوظائف الحكومية ما زاد من نسبة الموظفين في مدينة دمشق. خاصةً وأنَّ انتـقال عددٍ من المؤسسات التابعة لحكومة النظام إلى مركز العاصمة قادمةً من مُحيطها في ريف دمشق أو من مناطق أخرى لا تخضع لسيطرة النظام العسكرية ــ قد ساهم في زيادة أعداد الشواغر الوظيفية في مدينة دمشق ضمن القطاع الحكومي.
من جهة الدَّخـل، فقد صرَّح 25% من أفراد العينة محلِّ الدراسة بأنَّ حوالات الأصدقاء والأقارب خارج سوريا هي أحد المصادر الرئيسية للدَّخل. فيما وصلتْ نسبة مَن أشاروا إلى أنَّ المساعدات العَينية والنقدية المُقدَّمة من المنظمات الإغاثية هي أحد مصادر دخلهم، إلى 41.8%. وقد كانت النِّسب المرتفعة للاعتماد على هذا المصدر في أحياء الطبقة الوسطى والطبقة الوسطى العليا صادمة، إذ قال 37% من المستجيبين والمستجيبات في حي ركن الدين بأنَّ المساعدات المُقدَّمة من منظماتٍ مدنية بشكل عينيٍّ أو نقديٍّ، تُساهم في دخلهم.
كذلك يتبيَّـن أنَّ عام 2020 قد شهد تراجعًا كبيرًا في استهلاك معظم سكان دمشق من المواد الغذائية كالبيض والدجاج، وخصوصًا لدى أصحاب الدخل المتوسط والمنخفض، فيما انخفض استهلاك اللحوم الحمراء لدى الفئة الأعلى دخلًا بعد أن كان استهلاكها إلى حدٍّ ما حِكرًا عليهم دون الناس من أصحاب الفئات الأقل دخلًا خلال عام 2019. في المقابل، لم يتوقعْ سوى 10% فقط من المستجيبين بأنهم قادرون على تأمين أكثر من نصف احتياجاتهم لشتاء عام 2020-2021 من مادة المازوت لـتدفئة أسَرهم.
المقـدمة
يعيش في مدينة دمشق (ضمن الحدود الإدارية لمحافظة دمشق) 1,829,222 نسمة، حسب إحصاءات الأمم المتحدة في شهر أيار/مايو عام 2020، وهو ما يساوي تقريبًا 10% من سكان البلاد حسب نفس المصدر. في المقابل، فإنَّ ظروف الحياة في مدينة دمشق باعتبارها عاصمة البلاد وأحد مركزَين اقتصاديَّين رئيسيَّين فيها، يمكن أن تُعطِيَ صورةً مكثفة عن الحياة في عموم سوريا، بناءً على أنَّ الخدماتِ وفرصَ العمل فيها يجب أن تكون أفضل، وهو ما يؤشِّر على أنَّ أيَّ مشكلاتٍ يتسبب بها ضَعف الخدمات أو البطالة فيها يتحقَّق مضاعَفًا خارجها؛ إذ لطالما حصلتِ المدينتان الكبيـرتان في سوريا، دمشق وحلب، على مستويات أعلى من التنمية الاقتصادية والخدمات العامة مثل التعليم والصحة والكهرباء، ما ساهم في الإبقاء على سيطرة هذين المركزين على الاقتصاد السوري منذ فتـرة الاستـقلال.
لذا، تُحاول هذه الدراسة فهمَ الحياة اليومية للسُّكان في ثلاثة أحياء من مدينة دمشق، من خلال تحليل البيانات المرتبطة بالعمل ومصادر الدَّخل والاستهلاك. والتي يمكن أن تُصوِّر مُجتمِعةً قصةَ الحياة اليومية لسُكان مدينة دمشق، لمراقبة التغيُّـرات التي حصلتْ ضمن الظروف الاقتصادية الحالية والتي تشهد تراجعًا كبيرًا.
فعلى سبيل المثال، وحسب بيانات المكتب المركزي للإحصاء في عام 2004، فإنَّ قرابة 45% من السُّكان في سوريا كانوا يُنفقون أكثر من 557 دولارًا شهريًّا [1] وهو ما يعادل اليوم 776 دولارًا أميركيًّا بعد حساب نسبة التضخم بالنسبة للدولار. وبالمقارنة مع أرقام الإنفاق التي حصَلنا عليها من بحثنا، فإنَّ نسبة الذين يُنفقون أكثر من 776 دولارًا شهريًّا لا تتجاوز 0.5% من مجمل المستجيبين والمستجيبات الذين صرَّحوا في الاستبيان عن مُعدَّل إنفاقهم الشهريّ.
نقوم في هذه الدراسة بقراءة التحولات الاقتصادية في المدينة ومحاولة فهم عواقبها على معاناة السُّكان، بالإضافة إلى كشف العوامل الأساسية الداعمة لحياتهم خلال هذه الفترة الصعبة.
المنـهـجِية
اتخذتِ الدراسة مقاربةً استـقصائية بُنـيتْ على سحبِ عينةٍ من مجتمعِ البحث وتطبيقِ استبيانٍ بحثـيٍّ بالاعتماد على فريقِ عملٍ ميداني. لكنَّ عملية جمعِ البيانات تمَّت في ظلِّ تفشي جائحة كورونا داخل سوريا، كما في معظم دول العالم، لذلك لم يتسنَّ القيامُ بالعمل الميداني بالشـروط المعتادة، فاستعَضنا عنه بالاعتماد على فريقٍ محلي من الباحثين المَيدانيِّين المؤهَّلين، الذين تلقّوا تدريبًا من قِبَل باحثي المركز، ونفَّذوا إجراءَ المقابلات الهاتفية مع المستجيبين، وفق معاييرِ المعايَنة المعتمدة.
تمَّ إجراء مقابلاتٍ مُقنَّـنة مع 600 مستجيبةٍ ومستجيب من سكان ثلاث مناطقَ سكنيةٍ تقع داخل النِّطاق الإداري للعاصمة دمشق، وفق الترتيب التالي:
- 200 مقابلة في المنطقة المُمتدَّة بين حيَّـي ركن الدين وحي المزرعة، في الجزء الشمالي من مدينة دمشق. حيث تُعَدُّ هذه المنطقة ذات مستوى معيشيٍّ مرتفع نسبيًّا، إذْ بلغ وسطيُّ كلفة الإيجار الشهري لشقةٍ سكنية متوسطة فيها، خلال فترة إجراء الدراسة، ما بين 300 حتى 400 ألف ليرةٍ سورية [2]، أيْ ما يعادل أكثرَ من عشـرة أضعاف وسَطيِّ الأجرِ الشهري المَقطوع للموظفين الحكوميِّين الذين يحملون مؤهلاتٍ جامعية فما فوق، والبالغ حوالي 35 ألف ليرة سورية، حسب آخر سُلَّم أجورٍ صدر عن وزارة المالية السورية نهاية 2019 [3].
- 200 مقابلة في حي الزاهرة، الواقع في الجزء الجنوبي من العاصمة، والذي يُعَدُّ من الأحياءِ ذات المستوى المعيشيِّ المتوسط. وبلغ وسطيُّ كلفة الإيجار الشهري للشقةِ السكنية متوسطةِ المستوى فيها، ما بين 100 حتى 150 ألف ليرة [4]، خلال فترةِ إجراء الدراسة.
- وأخيرًا، هناك حـيُّ نهر عيشة الذي أُجريَتْ فيه 200 مقابلة أيضا. وهو يقعُ في الجزءِ الجنوبي من المدينة ويُعَدُّ من الأحياءِ الشعبيةِ التي يغلبُ عليها طابعُ البناء العشوائي. ويبلغ وسطيُّ الإيجار الشهري للشقة السكنية المتوسطة هناك ما بين 75 حتى 100 ألف ليرة [5]، خلال فترة إجراء الدراسة أيضًا.
أما عن أسلوب سَحب العينة الذي تمَّ اتِّـباعُه، فقد كان أقرب إلى العينة الحِصَـصِيَّة، حيث تمَّ تقسيم العينةِ الكُلية على الأحياء الثلاثة المذكورة استنادًا إلى تقديراتِ مستويات المعيشة المختلفة في كلٍّ منها. ولاحقًا على مستوى العَينات الفرعية، تمَّ اعتمادُ متغيراتِ الجنس والعمر والتعليم، كأُسُسٍ لضبط توازن العينة، فيما تُركَتْ حرية اختيارِ المستجيبين للباحثين المحليِّين أنفسهم.
شكل رقم (1) يُبيِّن توزعَ مستجيبي العينة حسب متغيـرات الجنس، العمر، ودرجة التعليم.
بالطبع، لا نزعم أنَّ عينة هذه الدراسة بالضـرورة مُمثِّـلةٌ لـمجتمع دمشق الكبير وغير المتجانس بالمعنى الإحصائيِّ للكلمة، لكنَّ العينة تكتسب قيمتها من كونها تعكس آراءَ وتوجهاتِ وتجارب 600 مستجيبٍ عشوائي من سكان دمشق من الجنسَين، ومن مختـلِف الفئات العمرية والمستويات التعليمية، ومن مستوياتِ معيشةٍ متباينة. فالنتائج التي نخرجُ بها هنا إذًا، تُعبِّـر أكثر عن واقع واتِّجاهات المستجيبين أنفسهم ولا يمكن تعميمُها على كامل مجتمع البحث.
شاركَ في عملية جمع البيانات التي استمرَّت من 24 كانون الأول 2020 حتى 5 كانون الثاني 2021، اثـنا عشـر باحثًا محليًّا تحت إشراف باحثِـي المركز، واعتمدتِ المقابلاتُ المُقنَّـنة على استبيانٍ بحثـيٍّ ضمَّ 22 سؤالًا غطَّت أبرز المتغيرات المتصلة بموضوع الدراسة، بالاستناد إلى الإطار النظري، وإلى شبكة المفاهيم التي أُعِدَّتْ بشكلٍ تشاركيٍّ بين باحثِين من خلفياتٍ وتخصُّصاتٍ مختلفة داخل المركز.
وقدِ انقسمتْ أسئلة الاستبيان إجمالًا إلى قسمين:
الأول، ركَّز على الإحاطة بالخصائص الفردية والاجتماعية والاقتصادية للمستجيـبين.
أما القسمُ الثاني، فقد استـطلعَ واقـع المستـجيبين تجاه العمل والدَّخل والاستـهلاك.
لا بـدَّ من الإشارة أيضًا إلى الصعوباتِ العديدة التي واجهتْ فريقَ باحثِي المركز والباحثين المحليِّين أمام تحدِّي جمعِ البيانات في بيئةِ دمشقَ الخطِـرَة، وفي ظلِّ قيود التباعد الاجتماعي، وقد تمَّ التعامل مع هذه الصعوبات من خلال:
- تجنبِ إدراج أيَّـة أسئلةٍ ذات طابعٍ سياسي، أو تتَّصف بحساسيةٍ من أيِّ نوع، ضمن استبيان الدراسة.
- اعتماد شبكة اتِّصال (برمجيات ونقاط اتصال) آمنة ومُشفَّرة، عند إجراء المقابلات وتداول البيانات.
- توفيـر التَّغطية القانونية لعملية جَمع البيانات، من خلال منظماتٍ مُصـرَّحٍ لها بممارسةِ هذه الأنشطة في دمشق؛ حيث أنَّ المركز غير مصرَّحٍ له بالعمل في مناطق سيطرة النظام السوري.
الفصل الأول: العـمل في مدينة دمشـق
يصلُ مُعدَّل ساعات العمل للعامِلين بدوامٍ كامل في عينة الدراسة إلى 52.5 ساعة أسبوعيًّا [6]، وهو أعلى من المُعدَّل العام في المنطقة، كما أنه يُعَدُّ أعلى من المُعدَّل المسموح به في قانون العمل [7].
على أنَّ هذا المُعدَّل يُعتبر أيضًا من الأعلى في العالم، مقارنةً بدولٍ أوروبية مثل ألمانيا وفرنسا، حيث يصل مُعدَّل ساعات العمل الأسبوعي إلى 39.5 في ألمانيا و38.9 ساعة في فرنسا. وهو يزيد عن مُعدَّل ساعات العمل في تركيا رغم كونه هو الآخر من الأعلى في العالم (48.5 ساعة في الأسبوع) [8].
في ذات السِّياق ومع الرجوع إلى عام 2004، فإنَّ مُعدَّل ساعات العمل بالنسبة للحضَـر (سُكان المدن) في سوريا كـكُلٍّ، كان 46.21 ساعة أسبوعيًّا [9].
ويمكن ملاحظة فروقٍ واضحة بين ساعات العمل بناءً على الجنس، إذ يصل مُعدَّل ساعات عمل الرجال ضمن عينة الدراسة ممَّنْ يعملون بدوامٍ كامل إلى 55.6 ساعة في الأسبوع، بينما مُعدَّل عمل النساء ممَّنْ يعمَلن بدوامٍ كامل يصل إلى 47.1 ساعة في الأسبوع. وهو ما يمكن تفسيره جُزئيًّا، كما هو الحال في معظم دول العالم، بالمسؤوليات العائلية المُلقاة على النساء وإجازات الولادة والحضانة التي تَحظى به جزءٌ من الموظَّفات خاصةً في القطاع الحكومي. وعلى الرغم من هذا الفرق، فإنَّ عددَ ساعات عمل النساء في دمشق يظلُّ أعلى من المُعدَّل العامِّ في عددٍ كبير من دول المنطقة والعالم، وهو ما يمكن أن يكون علامةً فارقة أساسية في أنماط العمل ضمن مدينة دمشق، التي قد تُضيئ على آثارٍ كبيرة تمسُّ الصحة الجسدية والنفسية للعامِلين.
وتُظهر بيانات الدراسة أنَّ 41.1% من المستجيبين للدراسة يعملون بين 41 إلى 60 ساعة أسبوعيًّا، فيما ادَّعى 24.4% أنهم يعملون أكثر من 60 ساعة أسبوعيًّا.
شكل رقم (2) يُظهر توزع أفراد العينة محلِّ الدراسة، بناءً على متغير ساعات العمل الأسبوعية.
وعلى الرغم منِ ارتفاع مُعدَّل ساعات العمل فإنَّ 43.7% من المستجيبين للدراسة قالوا بأنهم يعتبرون مستوى معيشتهم مُنخفضًا.
وفي حين اعتبر 49.8% من المستجيبات والمستجيبين للدراسة بأنَّ مستوى مَعيشتهم متوسط، إلَّا أنَّ البياناتِ المُعتمِدةَ على متوسِّط إنفاق الأسرة الشهري، الذي صرَّح عنه أكثر من نصف المستجيبين والمستجيبات للدراسة (338 فرد)، قد أظهرتْ أنَّ 94.08% من عائلات المستجيبين المُصرِّحين عن انفاقهم تعيش تحت خطِّ الفقر الدولي، والذي يُقدَّر بـ 1.9 دولار يوميًّا للفرد الواحد [10].
فيما يعتمد قياس الفقر عالميًّا على الدَّخل، فإننا اعتمدنا في مقاربتنا هنا على المتغيِّـر المتاح لنا، وهو الإنفاق، مفترضين بأنَّ غالبية السوريِّين ليسوا في مكانٍ يستطيعون معه الادِّخار (بالتالي الدخل يُساوي الإنفاق). وقد كنا فَضَّلنا في الدراسة عدمَ سؤال المستجيبين عن دخلهم تجنبًا للحساسيات المرتبطة بهذا السؤال.
شكل رقم (3) يُظهر توزع أفراد العينة محلِّ الدراسة، بالنسبة لـمتغيِّر متوسِّط الإنفاق الشهري لأسَرهم.
وتجب الإشارة هنا إلى أنَّ الفجوةَ التي تركها عدم إفصاح جزءٍ من المستجيبات والمستجيبين للدراسة عن حَجم إنفاقهم الشهري قد يؤدي إلى التقليل من جودة هذه البيانات، رغم أنَّ المُصـرِّحين عن حجم الإنفاق توزَّعوا على ثلاثة أحياء، وقد كانت الفجوة الأكبر في البيانات القادمة من حي الزاهرة الذي يُفترض أنه يضمُّ أبناءَ الطبقة الوسطى وليس العليا. في المقابل كانت أعلى نسبةِ استجابةٍ للسؤال في حيِّ نهر عيشة (فقير)، ممَّا يعني أنَّ مستوى الإنفاق الفعلي للعينة كـكُلٍّ أعلى ممَّا تُبيِّنه دراستنا غالبًا.
وبالنظر إلى تقييم جميع أفراد العينة لمستوى معيشتهم، تُظهر البيانات أنَّ 6.5% فقط قد اعتبـروا أنفسهم يعيشون بمستوى مرتفع ماديًّا. وبالنظر إلى أنَّ جزءًا كبيرًا من المُصـرِّحين عن دَخلهم من المستوى المتوسط يعيشون فعليًّا تحت خطِّ الفقر العالمي، فإنَّ ذلك يعني أنَّ نسبة العائلات التي تعيش تحت خطِّ الفقر قد تكون أكبر ممَّا يعتقده مُستجيبو الدراسة.
شكل رقم (4) يُظهر توزع أفراد العينة محلِّ الدراسة، بالنسبة لمتغير تصورهم الشخصي عن مستوى معيشتهم.
وتُظهر بيانات الدراسة بأنَّ 67.1% من أفراد العينة (ممَّن هم في عمر العمل) يعملون عملًا واحدًا أو أكثر. في المقابل فإنَّ النسبة المُتبقية من غير العاملين لا يمكن إدخالها بشكلٍ كامل ضمن تعريف البطالة القياسي، الذي يَفترض من العاطل عن العمل أنْ يكون ناشطًا في البحث عن عملٍ بشكل فَعَّالٍ خلال الستة أشهرٍ الماضية، وهو ما لا يتحقَّق لنسبةٍ كبيرة من غير العاملين ضمن عينة الدراسة. وتجدر الإشارة إلى أنَّ المستجيبين للدراسة كانوا من الفئة العمرية التي تبلغ 18 عامًا أو أكثر، وهو ما يَستـثني الفئة العمرية بين 15 و17 عامًا، والتي عادةً ما تنخفض بينها نسبة العمالة بشكلٍ كبير، إلَّا أنَّ الشـروط الأخلاقية التي تحكمُ تطبيق استبيانٍ من جهة غير حكومية تمنعنا من الوصول إلى تلك الفئة العمرية.
وتحتفظ الفئة العمرية بين 26 إلى 35 عامًا بالنسبة الأعلى للعمالة، إذ يعمل في هذه الفئة 77.7%، تليها مباشرةً الفئة العمرية بين 36 إلى 45 عامًا، حيث يعمل ضمن هذه الفئة 76.5% من إجمالي المستجيبين في هذا العمر، وهو ما يضع الجزء الأكبر من العِبء الاقتصادي على هاتين الفئتين العمريَّـتَين، وهو ما لا يُعتبر استثنائيًّا على صعيد الاقتصاد العالمي، إلَّا أنَّ تأثير حركة الهجرة من سوريا والذي تُظهِر المؤشرات أنَّ غالبيتها من الشباب تؤدي عمليًّا إلى تناقص اليد العاملة بين تلك الفئات العمرية، ما يزيد العِبء الاقتصادي على المُتبقِّيـن منهم.
فعلى سبيل المثال، تقول دراسةٌ مدعومة من قِبَلِ مُفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة [11]، أنَّ 26.7% من اللاجئين السوريِّين في تركيا هم من فئةٍ عمرية مشابهة، 25 عامًا إلى 45 عامًا، وبإمكان هذه النسبة الإفصاح عن الكثير خاصةً وأنَّ تركيا تضمُّ العدد الأكبر من اللاجئين السوريِّين الذين يـزيد عددهم في تركيا وفق آخر إحصاءٍ نهاية عام 2019 عن 3.6 مليون نسمة من أصل أكثر من 6.6 مليون لاجئ سوري مسجلٍ حول العالم [12].
في المقابل، وعلى الرغم من تراجع أعداد السوريِّين الشباب في العمر، فإنَّ هذه الفئة العمرية لا تزال تتحمَّل العِبء الاقتصادي الأكبر في مدينة دمشق حسب ما تُظهر بيانات الدراسة، إلَّا أنَّ ذلك تمَّت ترجمته كما شاهدنا سابقًا بزيادة ساعات العمل لدى العاملين في المدينة إلى أعلى من المتوسِّط العالمي، وحتى أعلى من الدول التي سجَّلتْ أعلى مُعدَّلٍ لساعات العمل أسبوعيًّا، مثل تركيا.
شكل رقم (5) يُظهر توزع أفراد العينة محلِّ الدراسة، بالنسبة لمتغيـرَيِ العمل والعُـمر.
على صعيدٍ آخر، قال 4.3% من غير العاملين (ممَّن هم في عمر العمل)، بأنَّ سبب بقائهم خارج سوق العمل هو عدم وجود فرصِ عملٍ مناسبة، ما يضعهم ضمن التعريف القياسي للبطالة. وتُظهِر البيانات ارتفاع نسبة الذين يَعزون عدم عملهم إلى الوضع الصحي، والتي وصلت إلى 14.5% من إجمالي عينة غير العاملين، بين الأعمار 18 و64.
شكل رقم (6) يُظهر توزع أفراد العينة محلِّ الدراسة من غير العامِلين، بالنسبة لمتغيـرَي سبب عدم العمل والعُمر.
يُساعد تتـبُّع الفترة الزمنية التي تفصلُ بين آخر عملٍ كان يعمل به الشخص، الذي صرَّح بأنه لا يعمل اليوم في مدينة دمشق، على تفسير قِلة المُصـرِّحين بأنَّ السبب وراء عدم عملهم حاليًّا هو عدم توفر فرصِ عمل، إذ تصل نسبة مَن تركوا أعمالهم خلال السنوات العشـر الماضية إلى 27.3% من غير العاملين، ما يُظهِر أنَّ أكثر من ربع غير العاملين في مدينة دمشق قد تركوا آخر عملٍ لهم خلال الفترة التي شهدتْ عمليات القمع الكبير للثورة في سوريا، ولاحقًا العمليات العسكرية في معظم مساحات البلاد، ما نجَم عنه تراجعٌ في الأنشطة الاقتصادية وتعطيل نسبةٍ كبيرة من السُّكان عن أعمالهم وعدم قدرة الاقتصاد الذي تعرَّض للانكماش بنسبةٍ كبيرة خلال تلك السنوات على استيعاب تلك النِّسَبِ من البطالة، ما قد يكون تسبَّب لاحقًا بإحباطٍ عام منع هؤلاء من البحث مجددًا عن عمل في تلك الظروف.
ينطبق هذا العامل على نسبةٍ مرتفعة من الذين صرَّحوا بأنهم لم يَعملوا سابقًا، وقد وصلتْ في هذه الدراسة إلى 69.8% من بين الذين لا يعملون اليوم، وهي نسبة تُعتبـر كبيرة، ويمكن تفسير معظمها بارتفاع مُعدَّل العزوف عن العمل لدى السيدات، اللواتي تتركَّز نشاطاتهنَّ في العمل غير المأجور ضمن المنزل ورعاية الأطفال.
شكل رقم (7) يُظهر توزع أفراد العينة محلِّ الدراسة من غير العاملين، بالنسبة لمتغيـرَيِ الفترة الزمنية التي تَفصِلُنا عن ترك آخر عملٍ والعُـمر.
أما عن تتـبُّع المهنة الحالية للمستجيبين، فإنَّ 35% من العاملين في مدينة دمشق يشغلون مناصبَ في مؤسساتٍ حكومية وخاصَّةً كموظفين، فيما قال 30.3% من المستجيبين والمستجيبات بأنَّ مهنـتهم الحالية هي “عامِـل”، وهي فئة تشمل مِهَنًا مثل سائق سيارة أجرة (دون تملُّك)، وعُمال المصانع وعُمال المحالِّ التجارية. وقد وصلتْ نسبة أصحاب العمل، والتي تشمل كلَّ المهن التي تعمل بشكلٍ مستقل مثل المهندسين والمُحامين، إلى 23.1%.
فيما أدَّى انتقال عددٍ من المؤسسات التابعة لحكومة النظام إلى مركز العاصمة قادمةً من محيطها في ريف دمشق أو من مناطق أخرى لا تخضع لسيطرة النظام العسكرية، إلى رفع نسبة الموظفين، سواء في القطاع الحكومي أو المؤسسات التي يقع مركزها في مدينة دمشق أو نقـلَتْ مركـزَها إليه، من أجل المحافظة على قدرتها على العمل ضمن مناطق سيطرة النظام التي تميَّـزت بمستوى أمنيٍّ أفضل خلال سنوات الصراع، بسبب القصف المستمر للنظام للمناطق خارج سيطرته [13].
شكل رقم (8) يُظهر توزع أفراد العينة محلِّ الدراسة من العاملين، بالنسبة لمتغيـر المهنة الحالية.
بـدوره، يُظهِر التحليل الحسَّاس للجـندر، وجود فروقٍ واضحة بين نسبة عمل النساء والرجال، إذ أظهرتْ بيانات الدراسة أنَّ 49.2% من النساء المستجيبات غير المتقاعدات ــ لا يعمَلن، بينما أجاب 21.1% من الرجال المستجيبين للدراسة بأنهم لا يعملون. كما تُظهِر بيانات الدراسة بأنَّ 10.4% من الرجال يُمارسون أكثر من عملٍ في وقت واحد، بينما لا تتجاوز هذه النسبة بين النساء 2%، هذا على الرغم من تراجع المستوى المعيشيِّ في سوريا، وارتفاع معدلات السُّكان الموجودين تحت خطِّ الفقر.
ويمكن تفسير ذلك بعدَّة عوامل، أهمها تحمُّل النساء لأعباء العمل المنزلي ورعاية الأطفال بشكلٍ أكبر، وهو ما يعتبر عاملًا أساسيًّا في سوريا في منع النساء من العمل منذ ما قبل الثورة، ويبدو أنَّ هذا العامل يستمر في التأثير على نِسَبِ النساء العاملات. كذلك أشارتْ أعدادٌ من المستجيبات في الدراسة بشكلٍ صريح بأنَّ النساء ممنوعاتٌ من العمل خارج المنزل من قِبَلِ الأب أو الأخ، وهو دليلٌ على التمييز داخل الأسرة الذي قد ينعكس كذلك على شكل تمييزٍ في سوق العمل لاحقًا.
شكل رقم (9) يُظهر توزع أفراد العينة محلِّ الدراسة، بناءً على متغيـرَيِ الجنس والعمل.
كما تُظهِر البيانات التي تمَّ جمعها بأنَّ 45.3% من النساء المستجيبات للدراسة قد صرَّحن بأنَّ السبب وراء عدم عملهن كان التفرغ للأعمال المنـزلية، بينما لم يختـر أيٌّ من الرجال المستجيبين للدراسة هذا الخيار كسببٍ لعدم عملهم.
شكل رقم (10) يُظهر توزع أفراد العينة محلِّ الدراسة من غير العاملين، بناءً على متغيـرَيِ الجنس وسبب عدم العمل.
يُظهر التوزع على أماكن الإقامة تأثيرًا واضحًا بدوره على وضع العمل بالنسبة للمستجيبات والمستجيبين للدراسة، إذ كانت نسبة التشغيل الأكبر هي للمقيمين في حي الزاهرة في مدينة دمشق، وهو حيٌّ ينتمي معظم سُكانه قَبل عام 2011 إلى الطبقة الوسطى، حيث بلغتْ نسبة العمالة فيه 72%، بينما بلغت بين المقيمين في حـي ركن الدين الذي ينتمي سُكانه عادةً إلى الطبقة الوسطى العليا والطبقة المرتفعة دَخلًا إلى 62.5%، لـتَنخفض نسبة العاملين في حي نهر عيشة إلى 60% فقط، وهي النسبة الأقل في الحي الذي يُعتبـر ساكِـنوه الأقل دخلًا بين الأحياء الثلاثة؛ ما يُشكِّل عبئًا إضافيًّا عليهم.
شكل رقم (11) يُظهر توزع أفراد العينة محلِّ الدراسة، بناءً على متغيـرَي محلِّ الإقامة وحالة العمل.
بالإضافة إلى المؤشرات السابقة، يساعد تحليل عملية التنـقل بين الأعمال خلال السنوات العشـر الماضية [14]، على مُعاينة أثر الحرب على اقتصاد المدينة وأنماط العمل فيها، حيث يمكن ملاحظة تأثُّـر العاملين ممَّن هم موظفين في القطاع الخاص قبل عام 2011، إذِ انتقل 20% منهم خلال السنوات الماضية إلى فئة العُمال. فيما انتقلت نسبةٌ مُماثِـلة منهم للعمل كموظفين حكوميِّين، وهو ما قد يكون مؤشرًا على تدهور النشاط الاقتصادي في القطاع الخاص وقلة الأمان الوظيفي فيه، ممَّا دفعهم إلى العمل ضمن مؤسساتٍ تدفع رواتب ثابتة، على الرغم من انخفاض الأجور في المؤسسات الحكومية عمومًا عن مؤسسات القطاع الخاص.
في المقابل، فإنَّ فئة الموظفين الحكومية، تُظهِر ثباتًا أكبر، إذ استمر 54.2% منهم في العمل كموظفين حكوميِّين، ولم ينتقل إلى العمل في القطاع الخاص إلَّا 10.2% منهم.
بطريقةٍ مُماثلة، نجد أنَّ فئة “أصحاب العمل” والتي تضمُّ المهنيِّين الاختصاصيِّين مثل الأطباء والمحامين بالإضافة إلى التُّجار وأصحاب المَعامل، كانت من الأقل تأثرًا في التنقلات بين الأعمال خلال السنوات الماضية، إلَّا أنَّ انتقال 8.2% منهم إلى فئة العُمال قد تكون نسبةً تستحقُّ الملاحظة والدراسة، وإن لم تكن كبيرة.
إلى جانب ذلك، تساعد مراقبة توزع “العاملين الجُدد” على مختلف الأعمال خلال السنوات الماضية، والذين لم يكونوا يعملون قبل 2011، في معاينة التغيرات المحتملة في نسبة العمالة في كل قطاع، إذ صرَّح 11.7% منهم بأنهم ضمن فئة العُمال، فيما وصلتْ نسبة الموظفين في القطاع الخاص إلى 15.5%، ولم يعمل من هذه الفئة في القطاع الحكومي سوى 8%.
شكل رقم (12) يُظهر توزع أفراد العينة محلِّ الدراسة، بناءً على متغيـرَيِ المهنة قبل عام 2011 والمهنة الحالية.
الفصل الثاني: الدَّخـل
ساهمتْ حركة اللجوء الواسعة بين السوريِّين إلى خارج البلاد، بالإضافة إلى تراجع الأنشطة الاقتصادية التقليدية ــ إلى إفراز عددٍ من التَّـبعات، كان على رأسها تغيـر مصادر الدَّخل الرئيسية للسُّكان.
فإنَّ 70.7% من المستجيبات والمستجيبين للدراسة قد أفادوا بأنَّ عائلاتهم تعتمد على مصدرَين أو ثلاثة مصادرَ رئيسية للدَّخل في معيشتها، بينما قال 19.2% منهم بأنَّ عائلاتهم تعتمد على مصدرٍ وحيد للدخل.
شكل رقم (13) يُظهر توزع أفراد العينة محلِّ الدراسة، بناءً على متغير عددِ مصادر دَخـل العائلة.
تعتمد غالبية العائلات على عملِ فردٍ أو أكثر منها لتأمين مَدخولها الرئيسي، لكنَّ البيانات تُظهر أيضًا اعتماد نِسَبٍ مرتفعة من السُّكان على الدعم القادم من الخارج، وعلى عمل المنظمات الإغاثية داخل البلاد، وهو ما يعني عمليًّا عدم قدرة الاقتصاد المحلي على تلبية احتياجات السُّكان والحاجة الماسَّة لدى قسمٍ كبير منهم إلى المساعدة المُقدَّمة من طرفٍ آخر، سواءٌ كان سوريًّا يعيش خارج البلاد، أو منظمةً إغاثية تعمل على تقديم المساعدة داخل البلاد.
فـفيما كانت نسبة مَن صرَّحوا بأنَّ عملهم يُعتبـر أحدَ مصادرِ دخل العائلة، 64% من المستجيبات والمستجيبين، وهو ما يتوافق مع نسبة التَّشغيل العامّ ــ نجـد أنَّ 25.8% من أفراد العينة محلِّ الدراسة قد قالوا بأنَّ حوالات الأصدقاء والأقارب خارج سوريا هي أحد المصادر الرئيسية للدَّخل. بينما وصلتْ نسبة مَن أشاروا إلى أنَّ المُساعدات العينية والنقدية المُقدَّمة من المنظمات الإغاثـية هي أحد مصادر دخلهم إلى 41.8% من أفراد العينة.
شكل رقم (14) يُظهر توزع أفراد العينة محلِّ الدراسة، بناءً على متغير نوع مصادر الدَّخل.
وبـتَحليل البيانات بناءً على متغير الجنس، فإنَّ ارتفاعًا يظهر في اعتماد الأسَر في مدينة دمشق على دخل الرجال في معيشتها أكثر من النساء، وهو نتيجة واضحة للتفاوت الواضح ضمن سوق العمل. يؤدي ذلك إلى عدة نتائج، على رأسها انخفاض مستوى المعيشة لدى الأسَر التي يقلُّ فيها الذكور.
شكل رقم (15) يُظهر توزع أفراد العينة محلِّ الدراسة، بناءً على متغيري نوع مصادر الدخل (العمل الذي أمارسه) ومتغير الجنس.
بـنفس الطريقة، فإنَّ توزع الفئات العمرية له تأثيرٌ على تفاوت اعتبار عمل المستجيب/ة أحد مصادر دخل الأسرة، إذ ترتفع نسبة الإجابة التي تفيد بأنَّ عمل المستجيب/ة يُشكِّل أحد مصادر الأسرة بين الفئات العمرية من 26 إلى 35 عامًا ومن 36 إلى 45 عامًا، والتي تعتبر الأعلى بين باقي الفئات العمرية بنسبة 74.5% و75.8% على التوالي، وهو ما يعني أنَّ عمل تلك الفئات العمرية أساسيٌّ لحياة السُّكان في المدينة.
شكل رقم (16) يُظهر توزع أفراد العينة محلِّ الدراسة، بناءً على متغيري نوع مصادر الدخل (العمل الذي أمارسه) ومتغير العمر.
كما تُظهر بيانات الدراسة أنَّ المستجيبات والمستجيبين الذين يقطنون في الحي الأفقر (نهر عيشة) يعتمدون على عددٍ أكبر من مصادر الدخل (42.5% يعتمدون على ثلاثة مصادر للدَّخل)، فيما تعتمد النسب الأكبر من المستجيبين الموجودين في أحياء الزاهرة وركن الدين على مصدرَين للدَّخل، بنسبة 49% و42% على الترتيب.
من الواضح أنَّ تعدد مصادر الدخل الأكبر بالنسبة لقاطني حي نهر عيشة يمكن إحالته على انخفاض الأجور بالنسبة لهم، ولا يبعـدُ احتمال استفادتهم من المعونات التي تُقدِّمها المنظمات الإغاثية والتي تُركِّز في عملها على الأحياء التي تضمُّ الأقل دخلًا في كلِّ منطقة.
شكل رقم (17) يُظهر توزع أفراد العينة محلِّ الدراسة، بناءً على متغيري عدد مصادر الدخل ومحل الإقامة.
كذلك، فإنَّ سُكان حي نهر عيشة هم الأكثر اعتمادًا على الحوالات من أصدقاء وأقارب خارج سوريا. أما ارتفاع نسبة الاعتماد على الحوالات الخارجية في حي ركن الدين عن حي الزاهرة، فإنه يُظهر دور تلك الحوالات في رفع مستوى المعيشة والمساعدة على البقاء والسَّكن في حـيٍّ تعتبر تكلفة الحياة فيه أكبر.
لـنَجِدَ بالأخير أنَّ حـيَّ الطبقة الوسطى (الزاهرة) هو الأقل اعتمادًا على الحوالات الخارجية بنسبة 16%.
إذًا، يعتمد سُكان الأحياء الأفقر والأغنى بشكلٍ أعلى على الحوالات الخارجية من سُكان أحياء الطبقة الوسطى، وهو ما يعني أنَّ عمل الطبقة الوسطى يُساهم بشكلٍ أكبر في مدخولها ومعيشتها، وهو ما ناقشناه سابقًا.
شكل رقم (18) يُظهر توزع أفراد العينة محلِّ الدراسة، بناءً على متغيري نوع مصادر الدخل (حوالات من أصدقاء أو أقارب من خارج سوريا) ومحل الإقامة.
أما بالنسبة للمُساعدات التي تُقدِّمها المنظمات المدنية العامِلة في المجال الإغاثي، فإنها تُشكِّل نسبةً هامة من المصادر الداعمة لـدخل السوريِّين، وقد بلغتْ نسبة الذين اعتمدوا تلك المساعدات كأحد مصادر دخـلهم الرئيسية 57% من سُكان حي نهر عيشة. لكنَّ النِّسَبَ المرتفعة للاعتماد على هذا المصدر في أحياء الطبقة الوسطى والطبقة الوسطى العليا، يُعتبر صادمًا، إذ قال 37.5% من المستجيبين والمستجيبات في حي ركن الدين بأنَّ المساعدات المُقدَّمةَ من منظماتٍ مدنية بشكل عيني أو نقدي تُساهم في دخلهم، وقد اختار 31% من أفراد العينة محلِّ الدراسة القاطنين في حي الزاهرة ذات الخيار، وهي نسب مرتفعة تصل إلى ثلث العينة، تُوضِّح حجم تأثر الاقتصاد السوري والحاجة إلى المساعدات بالنسبة للجميع حتى لمَنْ هم يعيشون في مناطق كانت تعتبر قبل الحرب مرفهة نسبيًا.
كما قد تكون تلك النِّسب المرتفعة مؤشرًا على أنَّ كثرةً من السُّكان المُنـتمين للطبقة الوسطى والوسطى العليا من ذوي الدَّخل المتوسط والمرتفع، تعرَّضوا لانتكاساتٍ على الصعيد المالي خلال السنوات الماضية، ما دفعهم إلى الاعتماد على مصادر دخلٍ خارجية مثل المساعدات.
شكل رقم (19) يُظهر توزع أفراد العينة محلِّ الدراسة، بناءً على متغيري نوع مصادر الدخل (مساعدات من منظمات مدنية عينية أو نقدية) ومحل الإقامة.
كذلك، تُساهم حوالات السوريِّين من الخارج، برفع الإنفاق بشكلٍ واضح بالنسبة لسُكان مدينة دمشق، إذ تصل إلى 61.5% نسبة المُعـتمدين على تلك الحوالات كأحد مصادر الدخل الرئيسية عند الفئة التي تُنـفق بين 601 و800 ألف ليرة سورية شهريًّا، بينما تنخفض نسبة الاعتماد على تلك الحوالات بين الفئة الأقل إنفاقًا إلى 15.5%، وهو ما يُظهر دور تلك الحوالات في زيادة الإنفاق الشهري من أجل الحصول على الاحتياجات الأساسية للحياة، في ظل اقتـصادٍ متـردٍّ.
شكل رقم (20) يُظهر توزع أفراد العينة محلِّ الدراسة، بناءً على متغيري نوع مصادر الدخل (حوالات من أصدقاء أو أقارب من خارج سوريا) وحجم الإنـفاق.
الفصل الثالث: الاستـهلاك
شهدتْ مناطق سيطرة النظام عدةَ أزماتٍ اقتصادية في عامي 2019 و 2020، تحت ضغط عواملَ عديدة، كان في مقدمتها: انتشار جائحة كورونا، تَسارع وتيـرة العقوبات الاقتصادية الغربية، الأزمة المالية والأمنية في لبنان، وتزايد الصِّراعات الداخلية في دائرة الحُكم الضيقة. كل تلك الأزمات التي مرت بها سوريا خلال العامين المنصرمين جعلتها فترة عصيبةً من الناحية الاقتصادية بالنسبة للسكان.
قمنا خلال تنفيذ استمارة دراستنا بسؤال المستجيبات والمستجيبين عن أنماط استهلاكهم لـموادّ رئيسية خلال عام 2018، وخلال عام 2020. ويعتمد هذا الفصل على تحليل الفروقات في أنماط الاستهلاك بالارتباط مع عدة عواملَ جرى رصدها، مثل مستوى الدَّخل وحجم الإنفاق الشهري؛ لـنُشكِّل صورةً حول تأثر الحياة اليومية لسُكان مدينة دمشق بتلك الأزمات. كما جرى استبيان آراء المستجيبات والمستجيبين حول قدرتهم على تأمين المحروقات اللازمة خلال شتاء 2020/2021، وتأثير البطاقة الذكية التي جرى توزيعها من قِبَلِ حكومة النظام من أجل تنظيم دعم السِّلع والخدمات.
تُعَدُّ مادة البيض أحد المصادر الرخيصة للبروتينات الحيوانية، الانخفاض الكبير في استهلاكها ضمن مجتمع مدينة دمشق، خاصةً في ظلِّ انخفاض مستوى الإنتاج الزراعي من المحاصيل البقولية، يجعل هذا الأمر خطيرًا على الصحة العامة للسكان وقد يكون أحد أسباب تفاقم أزمة الغذاء لدى كل الفئات العمرية وخاصةً الأطفال.
وقد كان البرنامج العالمي للغذاء التابع للأمم المتحدة قد أعلن في شهر شباط/فبراير 2021 أنَّ 12.4 مليون شخص في سوريا التي مزقتها الحرب، يُكافحون للعثور على ما يكفيهم من الطعام، في زيادةٍ كبيرة وصفَها البيان بأنها مُقلقة [15].
بدايةً، فـبتحليل الارتباط بين مستوى الإنفاق الشهري، وتغير نسبة استهلاك سلعة البيض مثلًا، يمكننا ملاحظة أنَّ التأثيـر الأكبر أصاب الأقل إنفاقًا، وهم المُنـتمون عمليًّا إلى الفئات الأقل دخلًا، إذِ انخفض استهلاك البيض بين عامي 2018 و2020 لدى الفئات الأضعف التي تُنفق 200 ألف ليرة سورية شهريًّا أو أقل، والتي تُنفق بين 201-400 ألف ليرة سورية شهريًّا ــ إلى أقل من النصف، بنسبة 45% و46.3% على التوالي.
بينما كانت النسبة الأكبر من الفئات الأكثر إنفاقًا (الأعلى دخلًا) أقلَّ تأثـرًا، إذ لم يتـغيـر استهلاك نفس المادة لدى 45.1% من الفئة التي تُنـفق بين 401-600 ألف ليرة سورية شهريًّا، ولدى 46.2% من الفئة التي تُنـفق بين 601-800 ألف.
ويَظهر في الجدول التالي التقاطع بين استهلاك مادة البيض وحجم إنفاق الأسرة، الذي صرَّح عنه 338 فردًا من العينة فقط، لذلك فإنَّ جميع الجداول المرتبطة بحجم الإنفاق تُظـهر جزء العينة الذي صرَّح عن حجم إنفاقه الشهري من العينة الكُلية، وسيتمُّ لاحقًا مقاطعة تغير الاستهلاك أيضًا مع كامل العينة للوصول إلى بياناتٍ أكثر شمولية.
شكل رقم (21) يُظهر توزع أفراد العينة محلِّ الدراسة، بناءً على متغيرَي متوسط الإنفاق الشهري، والتغير في استهلاك مادة البيض شهريًّا بين عام 2018 وعام 2020.
أما البيانات المرتبطة بالعينة الكلية، فإنها تُظهر انخفاضًا إجماليًّا في استهلاك هذه المادة لدى 49.5% من العينة قيد الدراسة، وقد وصل هذا الانخفاض لأقل من النصف لدى 31.8% من إجمالي أفراد الدراسة. ويجدر التذكير أنَّ سؤال الاستهلاك يشمل عائلةَ المستجيبة أو المستجيب، ما قد يجعل حجم العينة الفعلي في مثل هذه الأسئلة حوالي 3000 شخص، بناءً على حساب أنَّ متوسطَ أفراد الأسرة للعينة قيد الدراسة هي 5 أفراد.
شكل رقم (22) يُظهر توزع أفراد العينة محلِّ الدراسة، بناءً على متغير التحول في استهلاك مادة البيض شهريًّا.
بالانتقال إلى مادة لحم الدجاج، تُظهر العلاقة بين الاستهلاك ومستويات الإنفاق بأنَّ حجم التراجع في استهلاك هذه المادة بين عامي 2018 و2020، أكبر من التراجع الذي رأيناه في استهلاك البيض. فعلى مستوى أوسع لدى كامل العينة، تُظهِر البيانات تراجعًا واضحًا في الاستهلاك بين هذين العامين، إذِ انخفض إجماليًّا استهلاك مادة لحم الدجاج لدى 68.9% من عائلات أفراد العينة محلِّ الدراسة، وقد وصل هذا الانخفاض إلى أقل من النصف لدى 35.2% منهم.
شكل رقم (23) يُظهر توزع أفراد العينة محلِّ الدراسة، بناءً على متغير التحول في استهلاك مادة لحم الدجاج شهريًّا.
وبالمقارنة بين كمية الاستهلاك وفئات الإنفاق، فإننا نُلاحظ تراجعَ الاستهلاك لدى 76% ممَّن يُنفـقون حاليًّا 200 ألف ليرة سورية أو أقلّ، وقدِ انخفض لأقل من النصف لدى 51.2% منهم.
بينما جاءت نِسب الانخفاض في استهلاك “الفئة الأعلى إنفاقًا” أعلى من الفئة السابقة، إذِ انخفض استهلاك لحم الدجاج لدى 80.9% من المُنـتمين للفئة التي تُنفق بين 201-400 ألف ليرة شهريًّا، وقد وصل الانخفاض إلى أكثر من النصف لدى 41.9% منهم.
لم تكنِ الفئة التي تليها في الإنفاق بعيدةً عنها (عائلة تُنـفِق بين 401-600 ألف ليرة شهريًّا)، فـقدِ انخفض استهلاك لحم الدجاج لدى 68.6% من أفرادها، وهي نسبةٌ مقارِبةٌ لفئات الإنفاق السابقة، ما يعني أنَّ ارتفاع أسعار الدجاج خلال الفترة بين عامي 2018 و2020 وصل إلى حدودٍ أثَّـرتْ على استهلاك جميع الفئات من السُّكان بشكلٍ كبير.
شكل رقم (24) يُظهر توزع أفراد العينة محلِّ الدراسة، بناءً على متغيرَي متوسط الإنفاق الشهري، والتغير في استهلاك مادة لحم الدجاج شهريًّا.
بالنسبة للحوم الحمراء، سنجد أنَّ الانخفاض الأكبر الذي طال استهلاكها تركَّز لدى الفئات الأعلى إنفاقًا (أكثر من 800 ألف)، إذِ انخفض استهلاكها إلى أقل من النصف لدى 55.6% من المُنتمين إلى هذه الفئة. بينما لم يتغير استهلاك نفس المادة لدى 84.5% من الفئة الأقل إنفاقًا.
سيكون تفسير ذلك سهلًا عندما نعلم أنَّ الفئة الأقل إنفاقًا كان متوسِّط استهلاكها من اللحوم الحمراء شهريًّا عام 2018 لا يتجاوز 170 غرامًا فقط. ما يعني عمليًّا، أنَّ الفئات الأقل دخلًا والأكثر فقرًا كانت محرومةً في الأصل من استهلاك هذه المادة حتى ما قبل عام 2018. لكن أدى ارتفاع الأسعار وتكلفة المعيشة في مدينة دمشق خلال العامين المُنصَرمين إلى تراجع الاستهلاك لدى الفئات الأعلى إنفاقًا أيضًا، والتي كانت تحصل على كمياتٍ أكبر سابقًا في عام 2018 من اللحوم الحمراء.
شكل رقم (25) يُظهر توزع أفراد العينة محلِّ الدراسة، بناءً على متغيرَي متوسط الإنفاق الشهري، والتغير في استهلاك اللحوم الحمراء شهريًّا.
تؤثـر الظروف سابقة الذكر على نِسَبِ التراجع في الاستهلاك، إذ تُظهِر بيانات العينة الكُلية أنَّ استهلاك اللحوم الحمراء لم يتغير لدى 65.5% من عائلات أفراد العينة محل الدراسة، لكنْ سيكون تفسير ذلك سهلًا مع معرفة أنَّ نِسَبًا عالية جدًّا من السُّكان كانت محرومة أصلًا من استهلاك هذه المادة أو تستهلك أقلَّ بكثيرٍ من الحد الأدنى المُعتاد.
شكل رقم (26) يُظهر توزع أفراد العينة محلِّ الدراسة، بناءً على متغير التحول في استهلاك مادة اللحوم الحمراء شهريًّا.
بالانتقال إلى تحليل استهلاك مادتَيِ الأرز والبرغل، وهما مادَّتان أساسيـتان في الكثير من الأطباق السورية اليومية، فإنَّ هاتين المادتين قد تعرَّض استهلاكهما لانخفاضٍ أقل بكثير لدى معظم فئات الإنفاق. حيث نرى أنَّ النِّسب الأعلى لدى جميع تلك الفئات قد سُجلتْ لصالح الانخفاض القليل أو الثبات في كمية الاستهلاك، حتى أنَّ استهلاك المادتَين قد سجَّل زيادةً صغيرة مثلًا لدى 17.1% من الفئة الأقل إنفاقًا.
ويبدو أنَّ ذلك كان تعويضًا عنِ النقص الحاصل في استهلاك مواد أخرى وتحسُّن وفرة الكميات المدعومة منها من قِبَلِ الحكومة خلال فترة الدراسة، بحسب شهادات سُكانٍ محليِّين.
شكل رقم (27) يُظهر توزع أفراد العينة محلِّ الدراسة، بناءً على متغيرَي متوسط الإنفاق الشهري، والتغير في استهلاك مادتي الأرز والبرغل شهريًّا.
بالنسبة للعينة الكُلية، فإنَّ البيانات تُظهِر توجهًا مُماثلًا للتغير في استهلاك مادتَيِ الأرز والبرغل، فقد انخفض استهلاكهما إلى أقل من النصف لدى 3.5% من العينة الكُلية فقط، فيما ازداد الاستهلاك قليلًا لدى 11.3% من عائلات أفراد العينة.
شكل رقم (28) يُظهر توزع أفراد العينة محلِّ الدراسة، بناءً على متغير التحول في استهلاك مادتَيِ الأرز والبرغل شهريًّا.
بطريقةٍ مُماثلة لاستهلاك مادتَيِ الأرز والبرغل، يمكن ملاحظة ميلٍ نحو الثبات في استهلاك البقوليات ومادة السكر. وتُعتبر هذه المواد من أساسيات الاستهلاك الغذائي للسُّكان في سوريا، وقد لا يُعوِّض الثبات في استهلاكها النقصَ الحاصل في استهلاك المواد الأخرى خاصةً المنتجات الحيوانية، لكنه يُظهِر أهميةَ تلك المواد بالنسبة للمستهلكين في مدينة دمشق، ما يعني انخفاض مرونة الطَّـلب عليها مع التغير في الأسعار؛ خاصَّةً وأنَّ أسعار هذه المواد ظلَّتْ بمستوى أقل من باقي السلع ما سمح بالاستمرار باستهلاكها بكمياتٍ مُتـقاربة.
شكل رقم (29) يُظهر توزع أفراد العينة محلِّ الدراسة، بناءً على متغير التحول في استهلاك مادة البقوليات شهريًّا.
شكل رقم (30) يُظهر توزع أفراد العينة محلِّ الدراسة، بناءً على متغير التحول في استهلاك مادة السكر شهريًّا.
أما بالنسبة لاستهلاك الملابس، فإنَّ البيانات التي تمَّ جمعها تدور حول نسبةٍ متـقاربة للتراجع الحاصل في الاستهلاك، إذ تراجع استهلاك 34.3% من أفراد العينة الكلية، بمقدار النصف أو أكثر بين العامين الماضيَين.
ونجد أنَّ النسبة متقاربةٌ بالنسبة لشرائح الإنفاق الموجودة لدينا، إذ كان التراجع بمقدار النصف أو أكثر لدى 38.8% من الأفراد الذين تُنـفِق عائلاتهم 200 ألف ليرة سورية أو أقل شهريًّا. بينما انخفض الاستهلاك إلى النصف أو أكثر لدى 40.5% من أفراد الشريحة التي تليها، والتي تُنـفِق بين 201-400 ألف ليرة شهريًّا.
شكل رقم (31) يُظهر توزع أفراد العينة محلِّ الدراسة، بناءً على متغيرَي متوسط الإنفاق الشهري، والتغير في استهلاك الألبسة سنويًّا.
شكل رقم (32) يُظهر توزع أفراد العينة محلِّ الدراسة، بناءً على متغير التحول في استهلاك الملابس سنويًّا.
قال 48.4% من المستجيبين والمستجيبات للدراسة، بأنَّ حاجة أسَرهم الشهرية من مادة المازوت خلال فصل الشتاء بين 200 و400 لتر من هذه المادة، فيما قال 45.2% منهم بأنَّ حاجة أسَرهم تزيد عن 400 لتر.
وفي حين لم يتوقع سوى 10% فقط من المستجيبين تأمين أكثر من نصف احتياجاتهم لشتاء عام 2020-2021، فإنَّ 35% منهم قالوا بأنهم قد يؤمِّنون ربعَ تلك الاحتياجات أو أقل من ذلك، بينما قال 29.5% بأنهم غير قادرين على تأمين أيٍّ من احتياجاتهم من مادة المازوت خلال فصل الشتاء.
ويُشكِّل نقص مادة المازوت التي تعتبر في سوريا وقودَ التدفئة المنزلية الرئيسي، تحديًا كبيرًا بالنسبة للسُّكان، ويؤدي استخدام بدائل غير صحية مثل الفحم أو إحراق النفايات البلاستيكية إلى آثار صحية خطيرة. كما أنَّ استخدام بدائل غير آمنةٍ للمازوت ضمن مدافئ غير مُعدَّة، قد يكون سببًا في الحرائق وغيرها من التهديدات الخطيرة لصحة وحياة المستخدمين لتلك الأنواع البديلة.
شكل رقم (33) يُظهر توزع أفراد العينة محلِّ الدراسة، بناءً على احتياجاتهم لمادة المازوت خلال فصل الشتاء.
شكل رقم (34) يُظهر توزع أفراد العينة محلِّ الدراسة، بناءً على توقعاتهم حول نسبة تأمين احتياجاتهم من مادة المازوت في فصل الشتاء الحالي.
كانت مادة المازوت أولى المواد التي يتم تحديد دَعمها وفق أسلوب البطاقة الذكية (حيث تُخوِّل لهم شراء نسبةٍ مُعـيَّنة من مادة مُعـيَّنة بسعرٍ مُخفَّض خلال السنة)، وقد حدَّدتْ حكومة النظام السوري كمية 400 لتر من المازوت للعائلة المتوسِّطة وفق السعر المدعوم الذي كان هذا العام 180 ليرة سورية للتـر الواحد.
لكنَّ بيانات الدراسة قد أظهرتْ أولًا أنَّ 20% من المستجيبين والمستجيبات لا يملكون هذه البطاقة في الأصل، وهي نسبةٌ تشمل الفلسطينيِّين [16] السوريِّين الذين لم يحصلوا على هذه البطاقة نهائيًّا. فيما كان المَيل العام لآراء أفراد العينة بعدم وجود تأثيرٍ كبير للبطاقة الذكية على تأمين احتياجاتهم الأساسية، بينما عبَّـر 39.7% من المستجيبات والمستجيبين عن أثرٍ متوسِّط لتلك البطاقة، وذهب 39.3% منهم إلى أنَّ تأثيـرها عكسـيٌّ على قدرتهم بـتأمين احتياجاتهم الأساسية. وهو باعتقادنا ناتجٌ عن تزامن قلة توفر المواد المَدعومة مع ازدياد استخدام البطاقة الذكية في الفترة الأخيرة، مع أنَّ الموضوعين قد يكونا مُستـقلين.
شكل رقم (35) يُظهر توزع أفراد العينة محلِّ الدراسة، بناءً على تأثير البطاقة الذكية على مقـدرتهم بتأمين احتـياجاتهم الأساسية.
ختامًا، فبالنظر إلى أنَّ الأوضاع الاقتـصادية في عام 2018 كانت أصلًا مُتـدهورة، ما جعل الكثيرين يخفضون من استهلاكهم لكثير من المواد، فإنَّ هذا يعني عمليًّا أنَّ أي انخفاضٍ حالي في الاستهلاك سيكون غالبًا على حساب الاحتياجات الرئيسية للأسرة. وتُـنذر موجة الانخفاض الكبير في استهلاك البروتينات الحيوانية خصوصًا، إلى أضرار محتملة على قطاع الإنتاج الخاص بها، إذ سيؤدي الانخفاض الكبير في الطلب مع بقاء التكاليف العالية، والتي تمنع المُنـتجين من التحرك لتخفيض الأسعار تماشيًا مع السوق، إلى التسبب بتوقف وإفلاس جزء من المنتجين، ممَّا سـيُحدث أمرين: انخفاض القدرة الإنتاجية لقطاع تربية المواشي والحيوانات، وتراجع فرص العمل في هذا القطاع، وهو قطاع يُعتبر هامًّا جدًّا بالنسبة للأرياف في سوريا.
وقد كان وزير الزراعة في حكومة النظام السوري حسن قطنا قد صرَّح في لقاءٍ صحفي مع وكالة سبوتنيك الروسية بأنَّ سوريا قد خسرتْ 50% من ثروتها الحيوانية، وهو رقم يؤكد عمق الأزمة التي يعيشها قطاع تربية الحيوانات في البلاد [17].
بشكلٍ مُماثل، فإنَّ التراجع الكبير في استهلاك الألبسة يُهدِّد قطاعًا حيويًّا جدًّا بالنسبة للصناعة في مدينة دمشق. ولنفس الأسباب السابقة، فإنَّ عدم القدرة على التماشي مع الطلب وتخفيض الأسعار سيَعني أنَّ هذا القطاع سيتـلقَّى ضربةً كبيرة تؤدي إلى خسارةِ جزءٍ كبير من العاملين فيه عملهم ومصدر رزقهم، ممَّا يُدخل دمشق وساكنيها في حلقةٍ من العناء تُغذِّي نفسها بنفسها ما لم تتغير العوامل الاقتصادية الأخرى.
الخـلاصات
- شهدت مناطق سيطرة النظام السوري عدة أزمات اقتصادية متزامنة أواخر 2019 و 2020 وهي انتشار جائحة كورونا، تسارع العقوبات الاقتصادية الغربية، الأزمة المالية في لبنان، وازدياد الصراعات الداخلية في الدائرة الضيقة للنظام الحاكم. أدى تضافر هذه العوامل إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للسكان بشكل لم تشهده دمشق خلال السنوات الثمانية للحرب التي سبقتها. سعت هذه الدراسة إلى فهم طبيعة هذا التدهور الاقتصادي وكيفية انعكاسه على حياة سكان دمشق من حيث العمل، والدخل، والاستهلاك.
- يُعَدُّ مُعدَّل ساعات العمل الأسبوعية في مدينة دمشق من الأعلى في العالم، ورغم أنَّ مُعدَّل ساعات عمل الرجال كانت أعلى من تلك لدى النساء، إلَّا أنَّ مُعدَّل عمل النساء في مدينة دمشق يظلُّ أعلى من المُعدلات العالمية.
- على الرغم من أنَّ قرابة نصف المستجيبات والمستجيبين قد وصَفوا مستوى دخلهم بالمتوسط، إلَّا أنَّ جزءًا كبيرًا من هذه الفئة قد صرَّح بـحَجم إنفاقٍ أقل من خطِّ الفقر العالمي.
- أدَّتْ موجات اللجوء من سوريا، إلى خسارة أعدادٍ كبيرة من المُنـتمين للفئات العمرية الشابَّة، ما تسبَّب بزيادة ساعات العمل لدى الشباب المُقيمين بشكلٍ أساسي.
- كما أدَّتْ ظروف الحرب في سوريا، إلى ارتفاع نسبة غير القادرين على العمل نتيجةَ أسبابٍ صحية، والتي وصلتْ في مدينة دمشق إلى 13.8% من غير العامِلين، ممَّن هم في عُمر العمل.
- تُظهِر بيانات الدراسة، بأنَّ نسبة الأفراد الذين يَعملون في أحياء ركن الدين والزاهرة أكبر من مَثيـلتها في حي نهر عيشة، وهو ما يزيد من الأعباء الاقتصادية على القاطِنين في أحد أفقر أحياء مدينة دمشق.
- قال 25.8% من المستجيبات والمستجيبين للدراسة بأنَّ حوالات الأصدقاء والأقارب من خارج سوريا تُشكِّل أحدَ مصادر الدخل الرئيسية لعائلاتهم.
- فيما قال 41.8% من أفراد العينة بأنَّ المساعدات العيـنية والنقدية التي تُقدِّمها المنظمات الإغاثية تُشكِّل أحدَ مصادر الدخل الرئيسية لعائلاتهم.
- يعتبـر عمل المستجيبات والمستجيبين في الفئة العمرية بين 26 و45 عامًا هم الأكثر عملًا في مجتمع مدينة دمشق.
- الاعتماد بنسبةٍ كبيرة على المساعدات الخيرية لا يَستثني أيًّا من أحياء مدينة دمشق، إذ وصلتْ نسبة المُعتـمِدين على تلك المساعدات في حي ركن الدين، الأعلى في مستوى الدخل، إلى 37%.
- حسب بيانات الدراسة، فإنَّ التغيـر في الاستهلاك نحو النقصان، أصاب الفئة الأقل إنفاقًا بشكلٍ رئيسـي، مع وجودِ استثناءاتٍ على مواد مثل الأرز والبرغل التي حافظتْ على حجم استهلاكٍ مستقرٍّ نسبيًّا، نتيجةَ تركُّـزِ الدعم الحكومي على هاتين السلعتَين، وباعتبارهما أحد المُكونات الرئيسية للمطبخ في مدينة دمشق.
- قال 29.5% من أفراد العينة، بأنهم غير قادرين على تأمين أيِّ نسبةٍ من احتياجاتهم لمادة المازوت، وهي وقود التدفئة الرئيسي في مدينة دمشق.
- قد يتسبَّب انخفاض استهلاك البروتينات الحيوانية بين السُّكان في مدينة دمشق إلى أضرارٍ بعيدة المدى على مُربِّـي الماشية، ما قد يتسبَّب بزيادةٍ في نسبة البطالة.
التوصـيات
- نُوصي الجهات الدولية الفاعلة في الشأن السوري، بـتَعزيز الشفافية في تقديم المساعدات للسُّكان ضمن مناطق سيطرة النظام استعدادًا لزيادة تلك المساعدات، وبـتَحسين آليات العمل لزيادة عدد المستـفيدين، لما لـتلك المساعدات من أهميةٍ في تأمين معيشة السكّان.
- تعتبـر المساعدات المُقدَّمة من السوريِّين المقيمين في الخارج (من اللاجئين ومن المغتربين) مصدرًا أساسيًّا للدخل بالنسبة لربع السُّكان في مدينة دمشق، وهي نسبة من المحتمل أن تزيدَ في مناطق أخرى من سوريا، لذلك نوصي الدول المُستضيفة للسوريِّين بـتَخفيف القيود على الحوالات المالية الفردية، خاصةً بالنسبة للمبالغ الصغيرة والتي تُعتبـر مصدرًا لـدَخل الكثير من العائلات في البلاد.
- يجب أن تأخذ برامج المساعدات المُقدَّمة للسُّكان توفيـرَ فرصِ عملٍ بعين الاعتبار، وليس فقط تأهيل أو إعادة تأهيل الأفراد للعمل؛ وذلك من خلال رعاية مشاريع مُنـتِجة تكون قادرةً على استيعاب نسبةٍ أكبر من العاملين في مدينة دمشق.
- يمكن تقديم مساعداتٍ لـمُنتـجي الأغذية (المزارعين ومُربِّي الحيوانات) خاصةً الصغار منهم، مقابل تخفيض الأسعار، تحديدًا فيما يتعلق بالمُنـتَجات الحيوانية، وهو ما سيُساهم في زيادة الاستهلاك واستمرار عمل المنـتجين وتأمين احتياجات الكثير من العائلات.
- على مدار عقدٍ من الصِّـراع، استمرَّ الوضع الاقتصادي والمعيشي للبلاد في التدهور بسـرعاتٍ متفاوتة، وعند كل ذروةٍ لأزمة معيشيةٍ ما، كان هناك توقعات بأنَّ ذلك قد يَدفع النظام إلى تقديم تنازلاتٍ سياسية، لكنَّ ذلك لم يحدث. من هنا يخفتُ التفاؤل بأنَّ الذروة الحالية قد تفعل ذلك، لكنْ من المؤكد أنها الأشد وطأةً منذ بدء الصـراع، والتي لُوحِظ خلالها كيف أنَّ التململ قد وصل إلى الأوساط الأشد ولاءً للنظام، ما يعني أنها قد تكون فرصةً ملائمة لمزيدٍ من الضغط السياسي على النظام وحلفائه، للمُضـيِّ في العملية السياسية.
1 – المكتب المركزي للإحصاء، خصائص دَخل الأسرة وعلاقتها بخصائص مَسكنها، دمشق 2006.
2 – تقـديرات سكان محليِّـين.
3 – سُلم رواتب وأجور العاملين في الوظائف الحكومية السورية، موقع قناة العالم التلفزيونية، 2019، متاح على الرابط: https://bit.ly/3swMQwc، آخر مشاهدة 22-02-2021.
4 – تقديرات سكان محليِّين.
5 – تقديرات سكان محليِّين.
6 – تمَّ حساب مُعدَّل ساعات العمل بناءً على جَمع ساعات العمل لدى مَن يعمل بدوامٍ كامل (35 ساعة فما فوق) في عملٍ واحد أو أكثر، واحتِـساب المتوسط الحسابيِّ لساعات العمل بعد حذف القِيـم المتـطرفة ضمن الاستبيان، والتي قدَّرها الباحثون بأكثر من 84 ساعة أسبوعيًّا أو ما يساوي 14 ساعة عمل يوميًّا، باعتبار أنَّ الوقت الذي يستهلكه الشخص للوصول للعمل وأوقات الاستراحات الخاصة بالغداء والشاي غير محسوبة من ضمن ساعات العمل وفق التعريف القياسي لها، وهو ما قد يكون الْتـبسَ على بعض المستجيبات والمستجيبين للدراسة. بعد حذف البيانات المتطرِّفة حصَلنا على عينةٍ يصل عددُ أفرادها إلى 305 أفراد، سمحتْ لنا بقياس مُعدَّل ساعات العمل بطريقةٍ أقرب للدقة. ننوه هنا إلى أن الوسيط لعدد ساعات العمل لكافة المستجيبين كان 50 ساعة، وهو لا يختلف كثيرًا عن المتوسط الحسابي الذي تم احتسابه سابقًا، مما يعني أن تأثير القيم المتطرفة على نتائج الدراسة كان محدودًا.
7 – ينصُّ قانون العمل الساري في مناطق سيطرة النظام في سوريا والصادر عام 2010، على عدم جواز تشغيل العامل لأكثر من 48 ساعة في الأسبوع أو ثماني ساعات في اليوم، وفق المادة 106 فقرة أ. ويمكن الاطِّلاع على نصِّ القانون على موقع مجلس الشعب على الرابط.
8 – تمَّت المقارنة بناءً على الأرقام التي نشرَتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) عن مُعدَّل ساعات العمل في العالم في عام 2018، يمكن مراجعة تلك الأرقام على الرابط.
9 – الفَقر في سورية: 1996-2004، هبة الليثي، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، دمشق 2005، ص150.
10 – قُمنا بتحديد سعر صرف الدولار في الفترة التي تمَّ خلالها جمع البيانات (بين شهر كانون الأول/ديسمبر 2020 وكانون الثاني/يناير 2021) عند 2900 ليرة سورية للدولار الواحد (تقلَّب سعر الصرف في هذه الفترة بين 2800 و3000 ليرة للدولار الواحد). وبذلك يكون خطُّ الفقر الدولي، بالليرة السورية حسب سعر الصرف وقت إجراء الاستبيان، 5,510 ليرة سورية يوميًّا للفرد الواحد.
11 – مؤشر الضَّغـط للسوريين 2019، د. م. مُرات أردوغان، مكتبة أوريون، أنقرة 2019، بدعمٍ من مفوضية شؤون اللاجئين. الرابط.
12 – إحصائيات نشرَتها المفوضية العليا للاجئين، يمكن مراجعتها على الرابط.
13 – مقابلة أجراها المركز خلال شهر شباط/فبراير 2021، مع مسؤولٍ إداري في مجلس الوزراء، للتأكد من عملية نقل الإدارات الحكومية.
14 – يُحلِّل الجدول الآتي في شكل رقم (12)، ظاهرةَ التنقل بين الأعمال، بالنسبة لـمَن كانوا في عمر العمل عام 2011، أيْ من كانت أعمارهم 15 وأكثر في تلك السنة، ويبلغ حجم هذه العينة 478 فردًا أيْ ما نسبته 79.6% من العينة الأصلية التي تبلغ 600 فرد.
15 – للتوسع، يمكن مراجعة تقرير من موقع DW حول الموضوع. الرابط. (تمَّت الاستعادة بتاريخ 15 آذار/مارس 2021).
16 – صحيفة عنب بلدي، أطفال فلسطينيِّـي سوريا لا يحصلون على مُخصَّصاتهم عبر البطاقة الذكية، تمَّ النشر بتاريخ 28 شباط/فبراير 2021. تمَّت الاستعادة بتاريخ 15 آذار/مارس 2021. الرابط.
17 – مقابلة لوكالة سبوتنيك الروسية مع وزير الزراعة في حكومة النظام السوري، يمكن قراءة النص الكامل للمقابلة على الرابط.